هل يشعر المتوفى باهله
[٩] ولذا يقول الفقهاء: من مات فقد قامت قيامته، وانتهت دنياه، ومن عند هذا الموت تبدأ أحوال الآخرة ويكون أولها البرزخ، ويقال البرزخ بدل القبر لأن البرزخ أعمّ وأشمل من القبر، فهنالك بعض الأموات الذين لا يدفنون، بسبب اختلاف حال الوفاة، منهم من يحرق ويصبح مع ذرات الهواء، ومنهم من تترك أجسامهم دون دفن، فالبرزخ من لحظة الوفاة يبدأ، وقد بحث العلماء عن البرزخ، فورد في شأنه عذاب القبر أو النعيم الذي يلاقيه الميت في برزخه، مهما اختلف حال الجسد. [٩] وللتعرف على عالم البرزخ يمكنك الاطلاع على هذا المقال: معلومات عن عالم البرزخ ما هي مدة حياة البرزخ؟ تقسم حياة الإنسان إلى ثلاثة مراحل، المرحلة الأولى وهي حياته في الدنيا والمرحلة الثانية هي حياته في الآخرة، وأما المرحلة الثالثة هي المرحلة بين الحياة الدنيا والآخرة، حياة البرزخ، فمدة حياة البرزخ تكون على حسب حياته في الدنيا، فالمؤمن تكون له هذه المدة في نعيم ويرى مقعده في الجنة ويكون مطمئنًا وينال هذا الجسد الراحة بلا عذاب ويخلد في الجنة، أما الكافر روحه تُعرض على النار وينال جسده نصيب من العذاب، ويوم البعث تخلد أرواح الكفار في النار، وأرواح المؤمنين في الجنة.
هل الميت يحس عند الغسل؟ إنَّ إحساس الإنسان بعد خروج روحه منه هو من الأمور التي لم يتحدَّث عنها الشَّرع بصورة واضحة، وهو من الأمور الغيبيَّة التي لا يصحُ الحديث عنها إلّا إذا جاء فيها دليل قطعي، والأفضل للإنسان أن يتوقف عن الحديث والخوض في مثل هذه الأمور الغيبيَّة. [١] وقد ورد في بعض كتب العلماء أنَّ روح الميت تكون في يد الملك أمام جسده، وقيل إنَّ الرُّوح تنظر إلى من يغسل جسدها وتعرفه وتعلم ما يحدث حولها، وقيل إنَّ هناك بعض الأحاديث في هذا الأمر والتي أخرجها أحمد بن حنبل والطبراني وأبو داود وغيرهم، ومن هذه الأحاديث ما حكم عليه بالضَّعف، فالخلاصة إذًا أنّ هذا الأمر -أي إحساس الميت بمن يغسله- من الأمور التي هي محل خلاف بين منكر لها ومؤمن بها، والله أعلم. [٢] هل الميت يسمع ما يدور حوله؟ لقد قال بعض العلماء إنَّ الميت لا يشعر ولا يحس بما يدور حوله، ولا يدري شيئًا بما فعله به أهله، [٣] في حين ورد في كتاب مشارق الأنوار أنَّ روح الإنسان عندما تخرج وتكون بين يدي ملك تنظر إلى جسدها الميت، وتسمع عويل الأهل وصياحهم وبكاءهم، [٢] وقد قال ابن القيم في هذه المسألة إنّ الميت يسمع ويشعر بمن حوله لأنَّ الرسول -عليه الصلاة والسَّلام- أمر بإلقاء السَّلام على الأموات، كما ورد عن النَّبي -عليه الصلاة والسَّلام- أنَّ الميت يُعذب بنواح أهله عليه فهو يسمعهم ويُعرض عليه بكاؤهم فيرقّ لهم، وهذا هو العذاب كما قال الإمام النووي، وبمثله قال القاضي عياض والطّبري.
السؤال: من جمهورية مصر العربية هذا السائل يقول بلال عوض: هل الميت بعد دخوله القبر وصعود روحه إلى خالقها، هل يشعر بأهله في الدنيا وما فعلوا من بعده؟ الجواب: لا يشعر، الميت انقطع عمله، الله -جل وعلا- يقول: وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ [فاطر:22] إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى [النمل:80] ويقول النبي ﷺ: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. فالميت ما بشعر بأحوال أهله، الله المستعان، نعم. المقدم: أحسن الله إليكم سماحة الشيخ. فتاوى ذات صلة
(متفقٌ عليه) وأما تفصيلات ذلك السماع فلا نعرفه؛ لعدم ورود الأدلة في كيفية ذلك السماع؛ ولذلك قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة -رحمه الله- لما سئل: هل الميت يسمع كلام زائره؟ فأجاب: "نعم يسمع الميت في الجملة"، ثم قال: بعد ذكر أدلة سماع الأموات: "فهذه النصوصُ وأمثالُها تُبَيِّن أن الميت يسمع في الجملة كلام الحي، ولا يجب أن يكون السمعُ له دائمًا، بل قد يسمع في حالٍ دون حالٍ، كما قد يعرض للحي، فإنه قد يسمع أحيانًا خطاب مَن يخاطبه، وقد لا يسمع لعارضٍ يعرض له، وهذا السمع سمع إدراكٍ ليس يترتب عليه جزاءٌ". ا. هـ مِن مجموع الفتاوى (24/ 364). والحقُّ الذي لا مراء فيه أنَّ الميتَ يشعُر ويسمع كلام الحي في الجملة، ولا يجب أن يكونَ السمعُ له دائمًا، بل قد يسمع في حالٍ دون حالٍ؛ كما قرَّره شيخُ الإسلام ابن تيميَّة. وإن كنت أُذَكِّر الأخت الكريمة بأن العلمَ بشعور الميت وسماعه لغيره لا ينفع في شيءٍ غير الإيمان بذلك، والتصديق بخبر الصادق المصدوق، وعلينا - جميعًا - أن نشغلَ أنفُسنا بتعلُّم ما يُقَرِّبنا إلى الله، وجنته، ونعيمه، وما يُبعده عن غضب ربه.