رأى أن زيدا وأبا طلحة قد خرجا بعاطفة الإيمان عن أحب أموالهما إليهما على تعلق القلوب بكرائم الأموال ، فجعل ذلك في الأقربين منهما ليثبت قلوبهما فلا يكون للشيطان سبيل إلى الوسوسة لهما بالندم أو الامتعاض إذا رأيا ذلك في أيدي الغرباء ، وقد يمتعض المرء بعد فقد المحبوب وإن فارقه مختارا مرتاحا لعاطفة أو أريحية طارئة ، ثم لا يلبث أن يعاوده من الحنين إليه ما لا يعاوده إلى ما هو أغلى منه ثمنا إذا لم يكن من الكرائم المحبوبة; ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر عمال الصدقة باتقاء كرائم أموال الناس. ويدل على ما قررته في ذلك أثر ابن عمر الآتي: أخرج عبد بن حميد عن ابن عمر قال: " حضرتني هذه الآية لن تنالوا البر إلخ فذكرت ما أعطاني الله - تعالى - فلم أجد أحب إلي من مرجانة - جارية لي رومية - فقلت: هي حرة لوجه الله - تعالى - ، فلو أني أعود في شيء جعلته [ ص: 308] لله - تعالى - لنكحتها فأنكحتها نافعا " فانظر كيف راودته نفسه بعد عتقها أن يستبقيها لنفسه ولا يفارقها لولا أن كان مما تربت عليه نفسه العالية ألا يعود في شيء جعله لله ، وانظر كيف خص بها بعد ذلك مولاه نافعا الذي كان يحبه كولده. ومما رواه ابن جرير في ذلك عن مجاهد قال: " كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري أن يبتاع له جارية من جلولاء يوم فتحت مدائن كسرى في قتال سعد بن أبي وقاص ، فدعا بها عمر فقال: إن الله يقول: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون فأعتقها عمر ".
الإعراب: (قل) فعل أمر، والفاعل أنت (يا) أداة نداء (أهل) منادى مضاف منصوب (الكتاب) مضاف إليه مجرور اللام حرف جرّ و(ما) اسم استفهام مبنيّ على السكون في محلّ جرّ باللام متعلّق ب (تكفرون) وهو مضارع مرفوع.. والواو فاعل (بآيات) جارّ ومجرور متعلّق ب (تكفرون)، (اللّه) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور الواو حاليّة- أو استئنافيّة- (اللّه) لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع (شهيد) خبر مرفوع (على) حرف جرّ (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بشهيد (تعملون) مضارع مرفوع.. وجملة: (يا أهل الكتاب) في محلّ نصب مقول القول. وجملة: (تكفرون) لا محلّ لها جواب النداء. وجملة: (اللّه شهيد) في محلّ نصب حال، أو لا محلّ لها استئنافيّة. وجملة: (تعملون) لا محلّ لها صلة الموصول (ما).
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: " أنه أهدى إلى رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأس شاة فقال: إن أخي فلانا كان أحوج مني إليه فبعث به إليه فلما وصل إليه قال: إن فلانا أحوج مني إليه فبعث به إليه ، فلم يزل يبعث به كل واحد إلى آخر حتى تداوله سبعة أبيات ورجع إلى الأول " نقله أبو طالب في القوت والغزالي في الإحياء. ويشبه هذا ما حكي عن أبي الحسن الأنطاكي الصوفي أنه اجتمع عنده ثلاثون نفسا ونيف وكانوا في قرية بقرب الري ولهم أرغفة معدودة لا تشبع جميعهم ، فكسروا الرغفان وأطفئوا السراج وجلسوا للطعام وأوهم كل واحد صاحبه أنه يأكل ، فلما رفع إذا الطعام بحاله لم يأكل أحد منه شيئا. [ ص: 309] وفي الإحياء: أن عبد الله بن جعفر - رضي الله عنه - خرج إلى ضيعة له فنزل على نخيل قوم ، وفيهم غلام أسود يعمل فيه ، إذ أتى الغلام بقوته فدخل الحائط كلب ودنا من الغلام ، فرمى إليه الغلام بقرص فأكله ، ثم رمى إليه بالثاني والثالث فأكلهما وعبد الله ينظر إليه ، فقال: يا غلام كم قوتك كل يوم ؟ قال: ما رأيت ، قال: فلم آثرت هذا الكلب ؟ فقال: ما هي بأرض كلاب ، إنه جاء من مسافة بعيدة جائعا فكرهت رده ، قال: فما أنت صانع اليوم ؟ قال: أطوي يومي هذا.
إعراب الآية 92 من سورة آل عمران - إعراب القرآن الكريم - سورة آل عمران: عدد الآيات 200 - - الصفحة 62 - الجزء 4.
2- اللغة الإنجليزية 3- اللغة السواحيلية 4- اللغة الأوردية
وفي الأشربة برقم (٥٦١١) باب: استعذاب الماء.
قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - «بَخْ، ذَلِكَ مَالٌ رَايِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَايِحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِين".. قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، وَرَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ: «ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ». حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ «مَالٌ رَايِحٌ». [انظر: ١٤٦١ - مسلم: ٩٩٨ - فتح: ٨/ ٢٢٣] ٤٥٥٥ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَاريُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ فَجَعَلَهَا لِحَسَّانَ وَأُبِيٍّ، وَأَنَا أَقْرَبُ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِي مِنْهَا شَيْئًا. [انظر: ١٤٦١ - مسلم: ٩٩٨ - فتح: ٨/ ٢٢٣] ذكر فيه حديث أنس - رضي الله عنه -: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالْمَدِينَةِ نَخْلًا، وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءٍ.. الحديث. سلف في الزكاة، وأخرجه أيضا في الوصايا والأشربة والوكالة (١) ، (١) سلف في الزكاة برقم (١٤٦١) باب الزكاة على الأقارب، وفي الوصايا برقم (٢٧٥٢) باب: إذا وقف أو أوصى لأقاربه، ومن الأقارب وفي الوكالة برقم (٢٣١٨) باب: إذا قال الرجل لوكيله: ضعه حيث أراك الله.
المسألة الثانية: للمفسرين في تفسير البر قولان: أحدهما: ما به يصيرون أبرارا حتى يدخلوا في قوله: [ ص: 118] ( إن الأبرار لفي نعيم) [ الانفطار: 13] ، فيكون المراد بالبر ما يحصل منهم من الأعمال المقبولة. والثاني: الثواب والجنة ، فكأنه قال: لن تنالوا هذه المنزلة إلا بالإنفاق على هذا الوجه. أما القائلون بالقول الأول ، فمنهم من قال: ( البر) هو التقوى واحتج بقوله: ( ولكن البر من آمن بالله) إلى قوله: ( أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) [ البقرة: 177] ، وقال أبو ذر: إن البر هو الخير ، وهو قريب مما تقدم. وأما الذين قالوا: البر هو الجنة فمنهم من قال: ( لن تنالوا البر) أي لن تنالوا ثواب البر ، ومنهم من قال: المراد بر الله أولياءه وإكرامه إياهم وتفضله عليهم ، وهو من قول الناس: برني فلان بكذا ، وبر فلان لا ينقطع عني ، وقال تعالى: ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين) إلى قوله: ( أن تبروهم) [ الممتحنة: 8]. المسألة الثالثة: اختلف المفسرون في قوله: ( مما تحبون) منهم من قال: إنه نفس المال ، قال تعالى: ( وإنه لحب الخير لشديد) [ العاديات: 8] ، ومنهم من قال: أن تكون الهبة رفيعة جيدة ، قال تعالى: ( ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) [ البقرة: 267] ، ومنهم من قال: ما يكون محتاجا إليه قال تعالى: ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا) [ الإنسان: 8] أحد تفاسير الحب في هذه الآية على حاجتهم إليه ، وقال: ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) [ الحشر: 9] ، وقال عليه السلام: " أفضل الصدقة ما تصدقت به وأنت صحيح شحيح تأمل العيش وتخشى الفقر " ، والأولى أن يقال: كل ذلك معتبر في باب الفضل وكثرة الثواب.